بسم اللهِ الرحمن الرحيم
القلمُ شأنهُ عجيبٌ ونبأهُ غريبٌ , قال تعالى ( ن *والقلمِ وما يسطرون ) ,
فهو نحيفُ الجسمِ عظيمُ الاسمِ جميلُ الرسم , إن خُطا في القرطاسِ
أنصتَ لهُ الناسُ , بالقلمِ تُجهزُ الجنودُ , وترفعُ البنودُ من حروفهِ يجنى
العسلُ , إن شاءَ فمدادهُ سمُ الحياةِ , وأمُ النكباتِ وسببٌ البلايا
الموجعاتِ , وإن أرادَ جعلَ سطورهُ نوراً , وصيرها سروراً , لا تسمعُ لهُ
كلاماً , ولكنهُ صارَ للحكمةِ إماماً , وللمعارفِ قائداَ هماماً , لفظهُ أغلى من
الياقوتِ , إذا تشجعَ ملأ الصفحاتِ , وعبأ المجلداتِ , أفصحُ من
اللسانِ , وأحفظُ من الإنسانِ , يشربُ ولا يأكلُ يجيبُ ولا يسألُ , لا
يتكلمُ حتى يقرعُ , وهو الذي سطرَ الحكمةَ تسطيراً , ولم منها قليلاً ولا
كثيراً , يطيرُ العلمُ من الرأسِ فيقدهُ القلمُ في القرطاسِ , إذا حملهُ الأمي قالَ
لا مساس , مؤدبٌ لا ينتقدُ مقلدٌ لا يجتهدْ , عندهُ من الحكمةِ فنونٌ يخونُ
الحفظَ , وهو لا يخونُ , صمتَ الخطباءُ وما صمتَ , وسكتَ الشعراء وما
سكتَ , وماتَ الملوكُ ولم يمتْ , يشعلُ الحروبَ ولا يحضرها , ويستوقدُ
نارَ المحبِ ولا يطفيها .
إذا حضرْتَ مجمعاً بلا قلمٍ , فأرجعْ وأنتَ محترمٌ .
( بقلمي )