منتدي الحب والرومانسية
أهلا ومرحبا بك عزيزى الزائر معنا
نتمى لك قضاء اسعد الأوقات معنا
: إداره منتدى الحب والرومانسيه
منتدي الحب والرومانسية
أهلا ومرحبا بك عزيزى الزائر معنا
نتمى لك قضاء اسعد الأوقات معنا
: إداره منتدى الحب والرومانسيه

منتدي الحب والرومانسية

منتديات ترفيهيه شامله افلام العاب خواطر رومنسيات كليبات اغانى صور برامج كمبيوتر انترنت اسلاميات رياضه موضه ازياء دردشه منتديات الحب والرومانسيه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 2:22 am

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاه والسلام علي اشرف خلق الله سيدنا محمد عليه افضل الصلاه والسلام

اما بعد

قال الله تعالي

بسم الله الرحمن الرحيم

{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }

صدق الله العظيم

وقال ايضا

{ محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطاه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما }

صدق الله العظيم

رجال حول الرسول صل الله عليه وسلم

جاءوا واثروا في قلوبنا واسماعنا

لقد جاءوا الحياه في اونهم المرتقب,ويومهم الموعود..

فحين كانت الحياه تهيب بمن يجدد لقيمتها الروحيه شبابها وصوابها,جاء هؤلاء مع رسولهم الكريم مبشرين وناسكين ..

وحين كانت تهيب بمن يضع عن البشريه الرازحه اغلاها,ويحرر وجودها و مصيرها,جاء هؤلاء وارء رسولهم رسولهم العظيم ثوارا ومحررين ..

وحين كانت تهيب بمن يستشرف للحضاره الانسانيه مطالع جديده ورشيده,جاء هؤلاء روادا ومستشرقين



كيف انجز اولئك الابرار كل هذا الذي انجزوه في بضع سنين ..؟ !

كيف دمدموا علي العالم القديم بامبراطورياته وصولجانه وحولوه الي كثيب مهيل ..؟؟

كيف شادوا بقرأن الله وكلماته عالما جديدا يهتز نضره..ويتالقعظمه..ويتفوقاقتدارا..؟؟

وقبل هذا كله,وفوق هذا كله..كيف استطاعوا في مثل سرعه الضوء ان يضيئوا الضمير الانساني بحقيقه التوحيد وينكسوا منه الي الابد وثنيه القرون..؟؟

تلك هي معجزتهم الحقه

في هذا الموضوع اخوتي في الله سوف نعرف ونتعرف عن ستين شخصيه من افضل الرجال الذين دقت اقدامهم الارض بعد الانبياء والمرسلين والخلفاء الراشدين

سوف نتعرف سويا علي ستين شخصيه من اصحاب الرسول عليه وعليهم افضل الصلاه وابهي السلام

نري ايمانهم ,وثباتهم,وبطولتهم,وولاءهم لله ورسوله..

نري البذل الذي بذلوا..والهول الذي احتملوا..والفوز الذي احرزوا..

ونري الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشريه كلها من وثن الضمير,وضياع المصير ..

ولن يجد القارئ بين هؤلاء الستين خلفاء الرسول الاربعه :

ابا بكر ,وعمر,وعثمان,وعلي ..

لان لكل واحد منهم موضوعه الخاص وكتابه الخاص والحديث عنه الذي لا ينتهي

والان لنقترب في خشوع وغبطه من أولئك الرجال الابرار

لنستقبل فيهم اروع نماذج البشريه الفاضله وابهاها


عدل سابقا من قبل Admin في الجمعة 31 ديسمبر 2010, 12:01 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: تابع رجال حول الرسول   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 2:25 am

مصعب بن عمير

اول سفراء الاسلام


[color="Navy"]صحابي جليل من صحابة رسول الله كان شابا غنيا مترفا منعما حسن الوجه لطيف المعاملة والمعاشرة، وكلما تعمق القاريء في ترجمته ازداد له هيبة وامتلأ إعجابا وإكبارا له، فهو ممن وضعوا البُني الأساسية لمجد الإسلام وعزته ومكانته ورفعته في مدينة رسول الله بين الأنصار أوسهم وخزرجهم، ولا أقصد بكلامي عن هذه الشخصية الكريمة مجرد التفاخر والتواكل والاعتماد في الحاضر على الأحساب والأمجاد الأولى، فهذا لا يفيدنا شيئا في مجال البناء والنهضة بشبابنا الضائع وأمتنا التائهة.

وإنما أقصد بحديثي استلهام روح البطولات الرائدة لدى سلفنا الصالح ليصبح الحديث عنهم عنوانا طيبا صالحا لبعث الحياة فيهم من جديد، وتجديد الأمل، واستعذاب المنى وتفجير الطاقات والقوى، وإحداث التغيرات الفورية في جيل الإسلام وأمة الحاضر للاتجاه نحو الأفضل والعمل من أجل غد مشرق ومستقبل باسم مليء بالأمجاد لا مجال فيه لمتخاذل أو مستضعف أو متردد أو مبتدع مارق، فليس الكلام الشيق المفصل عن حياة أي صحابي مجرد قصة أو ترجمة عابرة للتسلية وشغل الوقت كأغلب قصص وثقافات السوق الرائجة وإنما لتبيين موطن العبرة وموضع العظة ومعرفة طريق الأمل والنور.


هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.

غرّة فتيان قريش, وأوفاهم جمالا, وشبابا..

يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..

ولد في النعمة, وغذيّ بها, وشبّ تحت خمائلها.

ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..

ذلك الفتى الريّان, المدلل المنعّم, حديث حسان مكة, ولؤلؤة ندواتها ومجالسها, أيمكن أن يتحوّل إلى أسطورة من أساطير الإيمان والفداء..؟

بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير", أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.


هذا الصحابي هو السيد الشهيد السابق البدري القرشي العبدري: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي

انه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..

ولكن أي واحد كان..؟

إن قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعا..

لقد سمع الفتى ذات يوم, ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..

"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا إلى عبادة الله الواحد الأحد.

وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها, ولا حديث يشغلها إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه, كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.

ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه, زينة المجالس والندوات, تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها, ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..

ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه, يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في دار "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد, ولا التلبث والانتظار, بل صحب نفسه ذات مساء إلى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...

هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن, ويصلي معهم لله العليّ القدير.

ولم يكد مصعب يأخذ مكانه, وتنساب الآيات من قلب الرسول متآلفة على شفتيه, ثم آخذة طريقها إلى الأسماع والأفئدة, حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!

ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه, وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج, والفؤاد المتوثب, فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنّه وعمره, ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!

--

كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها, وكانت تهاب إلى حد الرهبة..

ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه.

فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها, استحالت هولاً يقارعه ويصارعه, لاستخف به مصعب إلى حين..

أما خصومة أمه, فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!

ولقد فكر سريعا, وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا.

وظل يتردد على دار الأرقم, ويجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو قرير العين بإيمانه, وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه خبرا..

ولكن مكة في تلك الأيام بالذات, لا يخفى فيها سر, فعيون قريش وآذانها على كل طريق, ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة, الواشية..

ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم, فسابق ريح الصحراء وزوابعها, شاخصا إلى أم مصعب, حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...

ووقف مصعب أمام أمه, وعشيرته, وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته, القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم, ويملؤها به حكمة وشرفا, وعدلا وتقى.

وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية, ولكن اليد التي امتدت كالسهم, ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام, وهدوءا يفرض الإقناع..

ولكن, إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى, فان في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..

وهكذا مضت به إلى ركن قصي من أركان دارها, وحبسته فيه, وأحكمت عليه إغلاقه, وظل رهين محبسه ذاك, حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة, فاحتال لنفسه حين سمع النبأ, وغافل أمه وحراسه, ومضى إلى الحبشة مهاجرا أوّابا..

ولسوف يمكث بالحبشة مع إخوانه المهاجرين, ثم يعود معهم إلى مكة, ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.

ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة, فان تجربة إيمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان, ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار, واطمأن مصعب إلى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى, وخالقها العظيم..

خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله, فما إن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..

ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا, وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه, حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة, وألقا وعطرا..

وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة, شاكرة محبة, وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة, وقال:

" لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!

لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها, حتى ولو يكون هذا الإنسان ابنها..!!

ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..

وإنها لتعلم صدق عزمه إذا همّ وعزم, فودعته باكية, وودعها باكيا..

وكشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه إني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله إلا الله, وأن محمدا عبده ورسوله"...

أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي"..!!

وخرج مصعب من العتمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما و ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة, والمتألقة بنور الله, كانت قد جعلت منه إنسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...

--

وآنئذ, اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره إلى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله, ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..

كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب..

وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا..

لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!

وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم "مصعب بن عمير".

لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..

فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها. وعرف أنه داعية إلى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعو الناس إلى الهدى, والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه إلا البلاغ..

هناك نهض في ضيافة "أسعد بن زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (إنما الله اله واحد)..

ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه..



ذات يوم فاجأه وهو يعظ الإنس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن إله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..!

إن آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها و إذا احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا إليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..

أما إله محمد الذي يدعوهم إليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!!

وما إن رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد بن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا..

وقف أسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:

"ما جاء بكما إلى حيّنا, تسفهان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, إذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!

وفي مثل هدوء البحر وقوته..

وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:

"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".

الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!



كان أسيد رجلا أعرايبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه إلى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول إلى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..

هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته إلى الأرض وجلس يصغي..

ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!!

ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:

"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟

وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب:

"يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله إلا الله".

فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله إلا الله, وأن محمدا رسول الله..

وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت بإسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: إذا كان أسيد بن حضير, وسعد بن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا إلى مصعب, فلنؤمن معه, فإنهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!

--

لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحاً هو له أهل, وبه جدير..

وتمضي الأيام والأعوام, ويهاجر الرسول وصحبه إلى المدينة, وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها, لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر, فيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون إلى الثأر, و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم, ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير, فيتقدم ويحمل اللواء..

وتشب المعركة الرهيبة, ويحتدم القتال, ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام, ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين, لكن عملهم هذا, سرعان ما يحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل, وتعمل فيهم على حين غرّة, السيوف الظامئة المجنونة..

حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين, ركّزوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..

وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر, فرفع اللواء عاليا, وأطلق تكبيرة كالزئير, ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء إليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه, وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل, ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..

يد تحمل الراية في تقديس..

ويد تضرب بالسيف في عنفوان..

ولكن الأعداء يتكاثرون عليه, يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول..

لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!

يقول ابن سعد: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري, عن أبيه قال:

[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب, فأقبل ابن قميئة وهو فارس, فضربه على يده اليمنى فقطعها, ومصعب يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه, فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..

ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأنفذ الرمح, ووقع مصعب, وسقط اللواء].

وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!

وقع حلية الشهادة, وكوكب الشهداء..!!

وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والإيمان..

كان يظن أنه إذا سقط فسيصبح طريق القتلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..

ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)

هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها, ويكملها, ويجعلها, قرآنا يتلى..

--

وبعد انتهاء المعركة المريرة, وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا, وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..

لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء, فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!

أو لكأنه خجلان إذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله, وقبل أن يؤدي إلى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!

لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!

--

وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..

وعند جثمان مصعب, سالت دموع وفيّة غزيرة..

يقوا خبّاب بن الأرت:

[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله, نبتغي وجه الله, فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى, ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا, منهم مصعب بن عمير, قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة.. فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه, وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه, واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر"..]..

وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة, وتمثيل المشركين بجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام, وأوجع فؤاده..

وعلى الرغم من أن أرض المعركة امتلأت بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..

على الرغم من كل هذا, فقد وقف على جثمان أول سفرائه, يودعه وينعاه..

أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)

ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي دفن بها وقال لقد رأيتك بمكة, وما بها أرق حلة, ولا أحسن لمّة منك. "ثم ها ذا شعث الرأس في بردة"..؟!

وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:

"إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".

ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:

"أيها الناس زوروهم , وأتوهم, وسلموا عليهم, فوالذي نفسي بيده, لا يسلم عليهم مسلم إلى يوم القيامة, إلا ردوا عليه السلام"..

--

السلام عليك يا مصعب..

السلام عليكم يا معشر الشهداء..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 3:33 am

سلمان الفارسي

( الباحث عن الحقيقة )

من بلاد فارس, يجيء البطل هذه المرة..

ومن بلاد فارس, عانق الإسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد, فجعل منهم أفذاذا لا يلحقون في الإيمان, وفي العلم.. في الدين, وفي الدنيا..

وإنها لإحدى روائع الإسلام وعظمائه, ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في إعجاز باهر, كل نبوغها ويحرج كل طاقاتها, ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فإذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..
وإذا بهم يبزغون من كل أفق, ويطلعون من كل بلد, حتى تزدحم عصور الإسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل, والإرادة, والضمير.. أوطانهم شتى, ودينهم واحد..!!
ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا, بل وعد به وعدَ صدقٍ من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأيَ العين راية الإسلام تخفق فوق مدائن الأرض, وقصور أربابها..

وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وُثقى .

كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. إذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة, مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين, متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.
ووضعت خطة الحرب الغادرة, على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها, بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل, ومن وراء صفوف المسلمين, الذين سيقعون آنئذ بين شقي رحى تطحنهم, وتجعلهم ذكرى..!
وفوجئ الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.
وسقط في أيدي المسلمين, وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.
وصوّر القرآن الموقف, فقال الله تعالى:
(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ). الأحزاب (10)
أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه, وأصحابه..
وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرا عليها.
إنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا, وجماعات, وقبائل, ومصالح..
ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..
وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر

وطبعا, أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟
هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين, الغزير الشعر, الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما, واحتراما كبيرا.
تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية, نظرة فاحصة على المدينة, فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة, ومهيأة, يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر
وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال, فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.
والله يعلم , ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة, وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة, حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها, وبدّدت شملها..
ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل إلى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!
خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه, اعترضت معولهم صخور عاتية..
كان سلمان قوي البنية شديد الأسر, وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا, ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!
وذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.
وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة.
وحين رآها دعا بمعول, وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلا عن مرمى الشظايا.
وسمّى بالله, ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة, وهوى به على الصخرة, فإذا بها تنثلم, ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.
ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها, أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:
"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس, ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة, ومدائن كسرى, وان أمتي ظاهرة عليها".
ثم رفع المعول, وهوت ضربته الثانية, فتكررت الظاهرة, وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع, وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:
"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم, ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء, وان أمتي ظاهرة عليها".
ثم ضرب ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها, وأضاء برقها الشديد الباهر, وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما, وصاح المسلمون في إيمان عظيم:
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله..!!
كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير, حين استعان عليها برسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان قائما إلى جوار الرسول يرى الضوء, ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها, وواقعا يحياه, فرأى مدائن الفرس والروم.
رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..
رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!
وها هو ذا, جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أمام داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة, ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس إلى المسيحية, ثم إلى الإسلام..
كيف غادر ثراء أبيه الباذخ, ورمى نفسه في أحضان الفاقة, بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!
كيف بيع في سوق الرقيق, وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟
كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟
تعالوا نقترب من مجلسه الجليل, ونصغ إلى النبأ الباهر الذي يرويه
[كنت رجلا من أهل أصبهان, من قرية يقال لها "جي".
وكان أبي دهقان أرضه.
وكنت من أحب عباد الله إليه..
وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التي نوقدها, ولا نتركها نخبو..
وكان لأبي ضيعة, أرسلني إليها يوما, فخرجت, فمررت بكنيسة للنصارى, فسمعتهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت إلى ضيعة أبي, ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري...
وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم, فقالوا في الشام..
وقلت لأبي حين عدت إليه: إني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا..
فحاذرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..
وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم إليها لأرحل إلى الشام معهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم إلى الشام..
وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم..
وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, إذ كان يجمع الصدقات من الإنس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه
ثم مات..
وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه, فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه, ولا أعظم منه رغبة في الآخرة, وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..
وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى, فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟
قال: أي بني, ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل..
فلما توفي, أتيت صاحب الموصل, فأخبرته الخبر, وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم, ثم حضرته الوفاة, سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم, فرحلت إليه, وأقمت معه, واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات.
ثم حضرته الوفاة, فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه, آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا.. يهاجر إلى أرض ذات نخل بين جرّتين, فان استطعت أن تخلص إليه فافعل.
وان له آيات لا تخفى, فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة, إذا رأيته عرفته.
ومر بي ركب ذات يوم, فسألتهم عن بلادهم, فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟.. قالوا: نعم.
واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى, وهناك ظلموني, وباعوني إلى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير, فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي, والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.
وأقمت عند الرجل الذي اشتراني, حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة, فابتاعني منه, ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فو الله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..
وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.
واني لفي رأس نخلة يوما, وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود, من بني عمه, فقال يخاطبه: قاتل الله بني قريظة إنم ليتقاصفون على رجل بقباء, قادم من مكة يزعم أنه نبي..
فو الله ما إن قالها حتى أخذتني العرواء, فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا, أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟
فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة, ثم قال: مالك ولهذا..؟
أقبل على عملك..
فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه, فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة, وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة, فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..
ثم وضعته, فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا..
فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!
ثم رجعت وعدت إلى الرسول عليه السلام في الغداة, أحمل طعاما, وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية, ووضعته بين يديه, فقال لأصحابه كلوا باسم الله..
وأكل معهم.
قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!
ثم رجعت فمكثت ما شاء الله, ثم أتيته, فوجدته في البقيع قد تبع جنازة, وحوله أصحابه وعليه شملتين مؤتزرا بواحدة, مرتديا الأخرى, فسلمت عليه, ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره, فعرف أني أريد ذلك, فألقى بردته عن كاهله, فإذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة, كما وصفه لي صاحبي..
فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه, وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..
ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..
وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك", فكاتبته, وأمر الرسول أصحابه كي يعاونوني. وحرر الله رقبتي, وعشت حرا مسلما, وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق, والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.
بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله, وترسم له دوره في الحياة..
فأي إنسان شامخ كان هذا الإنسان..؟
أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة, وفرضته إرادته الغلابة على المصاعب فقهرتها, وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟
أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعاً مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه إلى المجهول بكل أعبائه, ومشاقه, ينتقل من أرض إلى أرض.. ومن بلد إلى بلد.. ناصبا, كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس, والمذاهب والحياة.. ويظل في إصراره العظيم وراء الحق, وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى, فيجمعه بالحق, ويلاقيه برسوله, ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض, وعباده المسلمون يملؤون أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!
ماذا نتوقع أن يكون إسلام رجل هذه همته, وهذا صدقه؟
لقد كان إسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده, وفطنته, وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.
أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.
وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم, وكان نافلة..
فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي, وأصلي له..؟ّ
فأجابه سلمان قائلا:
إن لعينك عليك حقا, وان لأهلك عليك حقا, صم وافطر, وصل ونم..
فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
" لقد أشبع سلمان علما ".
..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: تابع سلمان الفارسي   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 3:35 am

وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا, كما كان يطري خلقه ودينه..
ويوم الخندق, وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..

وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".
وانه بهذا الشرف لجدير.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:

[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟
أوتي العلم الأول, والعلم الآخر, وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر, وكان بحرا لا ينزف].
ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.
ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا, فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا, إذ جمع أصحابه وقال لهم:
"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!
وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة
لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا, ومجاهدا وعابدا.
وعاش مع خليفته أبي بكر, ثم أمير المؤمنين عمر, ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.
وفي معظم هذه السنوات, كانت رايات الإسلام تملأ الأفق, وكانت الكنوز والأموال تحمل إلى المدينة فيئا وجزية, فتورّع الأنس في صورة أعطيت منتظمة, ومرتبات ثابتة.

وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها, فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها..
فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟
افتحوا أبصاركم جيدا.
أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟
انه سلمان.
انظروه جيدا..
انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد إلى ركبته.
انه هو, في جلال مشيبه, وبساطة اهابه.
لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام, بيد أنه كان يوزعه جميعا, ويرفض أن يناله منه درهم واحد, ويقول:
"أشتري خوصا بدرهم, فأعمله, ثم أبيعه بثلاثة دراهم, فأعيد درهما فيه, وأنفق درهما على عيالي, وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"!
ثم ماذا يا أتباع محمد..؟

ثم ماذا يا شرف الإنسانية في كل عصورها ومواطنها..؟؟

لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم, مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر وإخوانهم, أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة..

فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية, ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله يرفض هذا المال والثروة والنعيم, ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟

ما باله يرفض إمارة ويهرب منها ويقول:

"إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..".

ما باله يهرب من الإمارة والمنصب, إلا أن تكون إمارة على سريّة ذاهبة إلى الجهاد.. وألا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه, فيكره عليها إكراها, ويمضي إليها باكيا وجلا..؟

ثم ما باله حين يلي على الإمارة المفروضة عليه فرضا يأبى أن يأخذ عطاءها الحلال..؟؟

روى هشام عن حسان عن الحسن:

" كان عطاء سلمان خمسة آلاف, وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها, ويلبس نصفها.."

"وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه, ويأكل من عمل يديه..".

ما باله يصنع كل هذا الصنيع, ويزهد كل ذلك الزهد, وه الفارسي, ابن النعمة, وربيب الحضارة..؟

لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم.

دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان..

قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض".

فأجابه سلمان:

" والله ما أبكي جزعا من الموت, ولاحرصا على الدنيا, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا, فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب, وهاأنذا حولي هذه الأساود"!!

يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!

قال سعد فنظرت, فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة, فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد إلينا بعهد نأخذه عنك, فقال:

" يا سعد:

اذكر عند الله همّتك إذا هممت..

وعند حكمتك إذا حكمت..

وعند يدك إذا قسمت.."

هذا هو إذن الذي ملأ نفسه غنى, بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها, ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم, وألا يأخذ أحدهم منها إلا مثل زاد الركب..

ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل, مخافة أن يكون قد جاوز المدى.

ليس حوله إلا جفنة يأكل فيها, ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا..

ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟

وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن, لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الإمارة درهم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس إلا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها..

وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر..

كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه, فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم, حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله, حتى إذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله..

وأشار للرجل فأقبل عليه, وقال له الشامي: احمل عني هذا.. فحمله ومضيا معا.

وإذ هما على الطريق بلغا جماعة من الإنس, فسلم عليهم, فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام..

وعلى الأمير السلام..؟

أي أمير يعنون..؟!!

هكذا سأل الشامي نفسه..

ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين:

عنك أيها الأمير..!!

فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي, فسقط في يده, وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه, واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:

" لا, حتى أبلغك منزلك"..!!

سئل يوما: ما الذي يبغض الإمارة إلى نفسك.؟

فأجاب: " حلاوة رضاعها, ومرارة فطامها"..

ويدخل عليه صاحبه يوما بيته, فإذا هو يعجن, فيسأله:

أين الخادم..؟

فيجيبه قائلا:

" لقد بعثناها في حاجة, فكرهنا أن نجمع عليها عملين.."

وحين نقول بيته فلنذكر تماما, ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا, سأل البنّاء: كيف ستبنيه..؟

وكان البنّاء حصيفا ذكيا, يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا:" لا تخف.. إنها بناية تستظل بها من الحر, وتسكن فيها من البرد, إذا وقفت فيها أصابت رأسك, وإذا اضطجعت فيها أصابت رجلك"..!

فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع".

لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن إليه سلمان لحظة, أو تتعلق به نفسه إثارة, إلا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص, ولقد ائتمن عليه زوجته, وطلب إليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين.

وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه, ناداها:

"هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!!

فجاءت بها, وإذا هي صرة مسك, كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته.

ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه, ثم ماثه بيده, وقال لزوجته:

"انضحيه حولي.. فانه يحصرني الآن خلق من خلق الله, لا يأكلون الطعام, وإنما يحبون الطيب".

فلما فعلت قال لها:" اجفي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به..

وبعد حين صعدت إليه, فإذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه.

قد لحقت بالملأ الأعلى, وصعدت على أجنحة الشوق إليه, إذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد, وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار.

--

لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان..

وآن اليوم أن يرتوي, وينهل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 3:37 am

زيد بن الخطاب

( صقر يوم اليمامة )


جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما, وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري, أطرق الرسول لحظات, ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا:

" إن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..

وظل الخوف بل لرعب من الفتنة في الدين, يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..

ولكن جميع الذين وجّه إليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير, وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال بن عنفوة.



ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن, وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الإسلام ولحق بمسيلمة الكذاب, وشهد له بالنبوّة.

هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..

والرّجّال بن عنفوة هذا, ذهب ذات يوم إلى الرسول مبايعا ومسلما, ولما تلقّى منه الإسلام عاد إلى قومه.. ولم يرجع إلى المدينة إلا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسلمين.. ونقل إلى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة, واقترح على الصدّيق أن يكون مبعوثه إليهم يثبّتهم على الإسلام, فأذن له الخليفة..

وتوجّه الرّجّال إلى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون, فحدّثته نفسه الغادرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية, فترك الإسلام, وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.



وكان خطر الرّجّال على الإسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.

ذلك, لأنه استغلّ إسلامه السابق, والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول, وحفظه لآيات كثيرة من القرآن, وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين.. استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.

لقد سار بين الناس يقول لهم: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات, فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده, هو مسيلمة..!!

ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالإسلام وبالرسول.

وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة, فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا, والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.

وكان أكثر المسلمين تغيّظا, وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!

زيد بن الخطّاب..؟

لا بد أنكم عرفتموه..

إنه أخو عمر بن الخطّاب..

أجل أخوه الأكبر, والأسبق..

جاء الحياة قبل عمر, فكان أكبر منه سنا..

وسبقه إلى الإسلام.. كما سبقه إلى الشهادة في سبيل الله..

وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.

وكان إيمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا, ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة.

وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر, بقدر ما يبحث عن الشهادة..!

يوم أحد, حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..

وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب, وقد سقط درعه عنه, وأصبح أدنى منالا للأعداء, فصاح به عمر.

" خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..

فأجابه زيد:

" إني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"..!!!

وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة, واستبسال عظيم.



قلنا إنه رضي الله عنه, كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الإجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالرّجّال في رأي زيد, لم يكن مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا, وصوليا.

لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة, ونفاق بغيض هزيل.

وزيد في بغضه النفاق والكذب, كأخيه عمر تماما..!

كلاهما لا يثير اشمئزازه, مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة, والأغراض الدنيئة.

ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة, لعب الرّجّال دوره الآثم, فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة إرباء فاحشا, وهو بهذا يقدّم بيديه إلى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..

أضلّها أولا, وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه, وزخرفها له هواه, ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة, لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر منه خطرا, وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.



وبدأ يوم اليمامة مكفهرّا شاحبا.

وجمع خالد بن الوليد جيش الإسلام, ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش إلى من..؟؟

إلى زيد بن الخطّاب.

وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..

ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين, وسقط منهم شهداء كثيرون.

ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين, فعلا ربوة هناك, وصاح في إخوانه:

" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم, واضربوا في عدوّكم, وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله, أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"..!!

ونزل من فوق الربوة, عاضّا على أضراسه, زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.

وتركّز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال, فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم, باحثا عن الرّجّال حتى أبصره..



وهناك راح يأتيه من يمين, ومن شمال, وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه, غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج إلى السطح من جديد, فيقترب منه زيد ويبسط إليه سيفه, ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى, فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..

وأخيرا يمسك بخناقه, ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا, وكذبا, وخسّة..

وبسقوط الأكذوبة, أخذ عالمها كله يتساقط, فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار في يوم عاصف..

لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم, وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة, والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!

وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. إذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..

وغدا سيسقط المحكم, وبعد غد مسيلمة..!!

هكذا أحدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..

أما المسلمون, فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال, ونهض جريحهم من جديد, حاملا سيفه, وغير عابئ بجراحه..

حتى الذين كانوا على شفا الموت, لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب, مسّ النبأ أسماعهم كالحلم الجميل, فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها إلى الحياة ليقاتلوا, وليشهدوا النصر في روعة ختامه..

ولكن أنّى لهم هذا, وقد تفتح أبواب الجنّة لاستقبالهم وإنهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول..؟؟!!



رفع زيد بن الخطاب ذراعيه إلى السماء مبتهلا لربّه, شاكرا نعمته..

ثم عاد إلى سيفه وإلى صمته, فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..

ولقد أخذت المعركة تمضي لصالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..



هنالك وقد رأى زيد رياح النصر مقبلة, لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام, فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..

وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا, ومآقيه دموعا,وعزمه إصرارا..

وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..

وسقط البطل شهيدا..

بل قولوا: صعد شهيدا..

صعد عظيما, ممجّدا, سعيدا..

وعاد جيش الإسلام إلى المدينة ظافرا..

وبينما كان عمر, يستقبل مع الخليفة أبي بكر أولئك العائدين الظافرين, راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..

وكان زيد طويل بائن الطول, ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..

ولكن قبل أن يجهد بصره, اقترب إليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..

وقال عمر:

" رحم الله زيدا..

سبقني إلى الحسنيين..

أسلم قبلي..

واستشهد قبلي".



وعلى كثرة الانتصارات التي راح الإسلام يظفر بها وينعم, فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..

ودائما كان يقول:

" ما هبّت الصبا, إلا وجدت منها ريح زيد".

أجل..

إن الصبا لتحمل ريح زيد, وعبير شمائله المتفوقة..

ولكن, إذا إذن أمير المؤمنين, أضفت لعبارته الجليلة هذه, كلمات تكتمل معها جوانب الإطار.

تلك هي:

" .. وما هبّت رياح النصر على الإسلام منذ يوم اليمامة إلا وجد الإسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد..!!"



بورك آل الخطّاب تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم..

بوركوا يوم أسلموا.. وبوركوا أيام جاهدوا, واستشهدوا.. وبوركوا يوم يبعثون..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 3:38 am

أبو هريرة

( ذاكرة عصر الوحي )


صحيح إن ذكاء المرء محسوب عليه..

وأصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن في نفس الوقت الذي كان ينبغي إن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!

والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء..

فقد كان ذا موهبة خارقة في سعة الذاكرة وقوتها..

كان رضي الله عنه يجيد فنّ الإصغاء, وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان..

يسمع فيعي, فيحفظ, ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر, وتعاقبت الأيام..!!

من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظا لأحاديثه, وبالتالي أكثرهم رواية لها.



فلما جاء عصر الوضّاعين الذين تخصصوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, اتخذوا أبا هريرة غرضا مستغلين أسوأ استغلال سمعته العريضة في الرواية عن رسول الله عليه السلام موضع الارتياب والتساؤل. لولا تلك الجهود البارة والخارقة التي بذلها أبرار كبار نذور حياتهم وكرّسوها لخدمة الحديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه.

هنالك نجا أبو هريرة رضي الله عنه من إخطبوط الأكاذيب والتلفيقات التي أراد المفسدون إن يتسللوا بها إلى الإسلام عن طريقه, وإن يحمّلوه وزرها وإذاها..!!



والآن.. عندما نسمع واعظا, أو محاضرا, أو خطيب جمعة يقول تلك العبارة المأثورة:" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..".

أقول: عندما تسمع هذا الاسم على هذه الصورة, أ, عندما تلقاه كثيرا, وكثيرا جدّا في كتب الحديث, والسيرة والفقه والدين بصفة عامة, فاعلم إنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة إغراء بالصحبة والإصغاء..

ذلك إن ثروته من الأحاديث الرائعة, والتوجيهات الحكيمة التي حفظها عن النبي عليه السلام, قلّ إن يوجد لها نظير..

وإنه رضي الله عنه بما يملك من هذه الموهبة, وهذه الثروة, لمن أكثر الأصحاب مقدرة على نقلك إلى تلك الأيام التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, وإلى التحليق بك, إذا كنت وثيق الإيمان مرهف النفس, في تلك الآفاق التي شهدت روائع محمد وأصحابه, تعطي الحياة معناها, وتهدي إليها رشدها ونهاها.

وإذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لأن تتعرّف لأبي هريرة وتسمع من أنبائه نبأ, فدونك الآن وما تريد..

إنه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة الإسلام بكل ما أحدثته من تغيرات هائلة.

فمن أجير إلى سيّد..

ومن تائه في الزحام, إلى علم وإمام..!!

ومن ساجد أمام حجارة مركومة, إلى مؤمن بالله الواحد القهار..

وهاهو ذا يتحدّث ويقول:

" نشأت يتيما, وهاجرت مسكينا.. وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني..!!

كنت أخدمهم إذا نزلوا, وأحدو لهم إذا ركبوا..

وهأنذا وقد زوّجنيها الله, فالحمد لله الذي جعل الدين قواما, وجعل أبا هريرة إماما"..!

قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر, فأسلم راغبا مشتاقا..

ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط إلا في ساعات النوم..

وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم إلى إن ذهب النبي إلى الرفيق الأعلى.

نقول: كانت تلك السنوات الأربع عمرا وحدها.. كانت طويلة عريضة, ممتلئة بكل صالح من القول, والعمل, والإصغاء.



أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع إن يخدم به دين الله.

إن أبطال الحرب في الصحابة كثيرون..

والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون.

ولكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتّاب.

ففي تلك العصور, وكانت الجماعة الإنسانية كلها, لا العرب وحدهم, لا يهتمون بالكتابة, ولم تكن الكتابة من علامات التقدم في مجتمع ما..

بل إن أوروبا نفسها كانت كذلك منذ عهد غير بعيد.

وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلمان أميّين لا يقرؤون ولا يكتبون, مع إنهم في نفس الوقت كانوا على حظ كبير من الذكاء والمقدرة..



نعود إلى حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الإسلام إلى من يحفظن تراثه وتعاليمه, كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون, ثم إن بعضهم لا يملك من الفراغ ما يمكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.

لم يكن أبا هريرة كاتبا, ولكنه كان حافظا, وكان يملك هذا الفراغ, أو هذا الفراغ المنشود, فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها!!

وهو إذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا, عزم على إن يعوّض ما فاته, وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته..

ثم إنه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه, وهي ذاكرته الرحبة القوية, والتي زادت مضاء ورحابة وقوة, بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبها إن يبارك الله له فيها..

فلماذا إذن لا يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله للأجيال..؟؟

أجل.. هذا دوره الذي تهيئه للقيام به مواهبه, وعليه إن يقوم به في غير توان..



ولم يكن أبو هريرة ممن يكتبون, ولكنه كان كما ذكرنا سريع الحفظ قوي الذاكرة..

ولم تكن له أرض يزرعها, ولا تجارة تشغله, ومن ثمّ لم يكن يفارق الرسول في سفر ولا في حضر..

وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته..

فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى, راح أبو هريرة يحدث, مما جعل بعض أصحابه يعجبون: إني له كل هذه الأحاديث, ومتى سمعها ووعاها..

ولقد ألقى أبوهريرة رضي الله عنه الضوء على هذه الظاهرة, وكأنه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك التي ساورت بعض أصحابه فقال:

" إنكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم..

وتقولون: إن المهاجرين الذين سبقوه إلى الإسلام لا يحدثون هذه الأحاديث..؟؟

ألا إن أصحابي من المهاجرين, كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق, وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم..

وإني كنت أميرا مسكينا, أكثر مجالسة رسول الله, فأحضر إذا غابوا, وأحفظ إذا نسوا..

وإن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يوما فقال: من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني..! فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إليّ فو الله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه..

وأيم والله, لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا, وهي:

( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب, أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)..".



هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهو أولا كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره..

وهو ثانيا كان يحمل ذاكرة قوية, باركها الرسول فزادت قوة..

وهو ثالثا لا يحدّث رغبة في إن يحدّث, بل لأن إفشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته, وإلا كان كاتما للخير والحق, وكان مفرطا ينتظره جزاء المفرّطين..

من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث, لا يصدّه عن الحديث صادّ, ولا يعوقه عائق.. حتى قال له عمر يوما وهو أمير المؤمنين:

" لتتركنّ الحديث عن رسول الله,أو لألحقنك بأرض دوس"..

أي أرض قومه وأهله..

على إن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاما لأبي هريرة, بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها, تلك هي: إن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا, وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول..

فالقرآن كتاب الله, ودستور الإسلام, وقاموس الدين, وكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا سيما في تلك التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام, والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها ولا جدوى منها..

من أجل هذا كان عمر يقول:

" اشتغلوا بالقرآن, فإن القرآن كلام الله"..

ويقول:

" أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به"..

وحين أرسل أبو موسى الأشعري إلى العراق قال له:

" إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دويّ القرآن كدويّ النحل, فدعهم على ما هم عليه, ولا تشغلهم بالحديث, وإنا شريكك في ذلك"..

كان القرآن قد جمع بطريقة مضمونة دون إن يتسرب إليه ما ليس منه..

أما الأحاديث فليس يضمن عمر إن تحرّف أو تزوّر, أو تخذ سبيل للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, والنيل من الإسلام..

وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر, ولكنه أيضا كان واثقا من نفسه ومن أمانته, وكان لا يريد إن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد إن كتمانه إثم وبوار.

وهكذا.. لم يكن يجد فرصة لإفراغ ما في صدره من حديث سمعه ووعاه إلا حدّث وقال..



على إن هناك سببا هامّا, كان له دور في إثارة المتاعب حول أبي هريرة لكثرة تحدثه وحديثه.

ذلك إنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف, ولم يكن المسلمون الأصحاب يطمئنون كثيرا لأحاديثه ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم.



أراد مروان بن الحكم يوما أن يبلوا مقدرة أبي هريرة على الحفظ, فدعاه إليه وأجلسه معه, وطلب منه إن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, في حين أجلس كاتبه وراء حجاب, وأمره إن يكتب كل ما يقول أبو هريرة..

وبعد مرور عام, دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى, أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها, فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!

وكان يقول عن نفسه:

" ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني, إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص, فإنه كان يكتب, ولا أكتب"..

وقال عنه الإمام الشافعي أيضا:

" أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره".

وقال البخاري رضي الله عنه:

" روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود..

وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين, يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه, وتقوم زوجته ثلثه, وتقوم ابنته ثلثه. وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!!

وفي سبيل إن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد..

وإنه ليحدثنا: كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطنه حجرا ويعتصر كبده بيديه, ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه إن به صرعا وما هو بمصروع..!

ولما أسلم لم يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة لم يكن رقأ له بسببها جفن..

كانت هذه المشكلة أمه: فإنها يومئذ رفضت أن تسلم..

ليس ذلك وحسب, بل كانت تؤذي ابنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكره بسوء..

وذات يوم أسمعت أبا هريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره, فانفضّ عنها باكيا محزونا, وذهب إلى مسجد الرسول..



ولنصغ إليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ:

".. فجئت إلى رسول الله وإنا أبكي, فقلت: يا رسول الله, كنت أدعو أم أبي هريرة إلى الإسلام فتأبى علي, وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره, فادع الله إن يهدي أم أبا هريرة إلى الإسلام..

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة..

فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله, فلما أتيت الباب إذا هو مجاف, أي مغلق, وسمعت خضخضة ماء, ونادتني يا أبا هريرة مكانك..

ثم لبست درعها, وعجلت عن خمارها وخرجت وهي تقول: أشهد إن لا اله إلا الله, وأِهد إن محمدا عبده ورسوله..

فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح, كما بكيت من الحزن, وقلت: أبشر يا رسول الله, فقد أجاب الله دعوتك..

قد هدى أم أبي هريرة إلى الإسلام..

ثم قلت يا رسول الله: ادع الله إن يحبّبني وأمي إلى المؤمنين والمؤمنات..

فقال: اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه إلى كل مؤمن ومؤمنة"..



وعاش أبو هريرة عابدا, ومجاهدا.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة.

وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه إمارة البحرين.

وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته.

إذا ولّى أحدهم وهو يملك ثوبين, فيجب إن يترك الولاية وهو لا يملك من دنياه سوى ثوبيه.. ويكون من الأفضل إن يتركها وله ثوب واحد..!!!

أما إذا خرج من الولاية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء, فإنه يومئذ لا يفلت من حساب عمر, مهما يكن مصدر ثرائه حلالا مشروعا!



دنيا أخرى.. ملاها عمر روعة وإعجازا..!!

وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا, من مصادره الحلال, وعلم عمر فدعاه إلى المدينة..



ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع:

" قال لي عمر:

يا عدو الله وعدو كتابه, أسرقت مال الله..؟؟

قلت:

ما إنا بعدو لله ولا عدو لكتابه,.. لكني عدو من عاداهما..

ولا إنا من يسرق مال الله..!

قال:

فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟

قلت:

خيل لي تناسلت, وعطايا تلاحقت..

قال عمر: فادفعها إلى بيت مال المسلمين"..!!

ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال:

اللهم اغفر لأمير المؤمنين"..



وبعد حين دعا عمر أبا هريرة, وعرض عليه الولاية من حديد, فأباها واعتذر عنها..

قال له عمر: ولماذا؟

قال أبو هريرة:

حتى لا يشتم عرضي, ويؤخذ مالي, ويضرب ظهري..

ثم قال:

وأخاف إن أقضي بغير علم

وأقول بغير حلم..



وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله..

وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه, كان هو يلحّ على الله قائلا:

" اللهم إني أحب لقاءك, فأحب لقائي"..

وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة.

وبين ساكني البقيع الأبرار يتبوأ جثمانه الوديع مكانا مباركا..

وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته, كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم.

ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله:

لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟



فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر:

لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس, ولما أسلك سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفا على الحيوان, وكانت له هرة, يطعمها, ويحملها, وينظفها, ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله..

وهكذا دعي: أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 3:40 am

عمرو بن العاص

( محرّر مصر من الرومان )

كانوا ثلاثة في قريش, اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وإيذائهم أصحابه..

وراح الرسول يدعو عليهم, ويبتهل إلى ربه الكريم أن ينزل بهم عقابه..

وإذ هو يدعو ويدعو, تنزل الوحي على قلبه بهذه الآية الكريمة..

( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم, فإنهم ظالمون)..

وفهم الرسول من الآية أنها أمر له بالكف عن الدعاء عليهم, وترك أمرهم إلى الله وحده..

فإمّا أن يظلوا على ظلمهم, فيحلّ بهم عذابه..

أو يتوب عليهم فيتوبوا, وتدركهم رحمته..

كان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة..

ولقد اختار الله لهم طريق التوبة والرحمة وهداهم إلى الإسلام..

وتحول عمرو بن العاص إلى مسلم مناضل. وإلى قائد من قادة الإسلام البواسل..

وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها, فان دوره كصحابيّ جليل بذل وأعطى, ونافح وكافح, سيظل يفتح على محيّاه أعيننا وقلوبنا..

وهنا في مصر بالذات, سيظل الذين يرون الإسلام دينا قيما مجيدا..

ويرون في رسوله رحمة مهداة, ونعمة مزجاة, ورسول صدق عظيم, دعا إلى الله على بصيرة, وألهم الحياة كثيرا من رشدها وتقاها..

سيظل الذين يحملون هذا الإيمان مشحوذي الولاء للرجل الذي جعلته الأقدار سببا, وأي سبب, لإهداء الإسلام إلى مصر, وإهداء مصر إلى الإسلام.. فنعمت الهداية ونعم مهديها..

ذلكم هو: عمرو بن العاص رضي الله عنه..

ولقد تعوّد المؤرخون أن ينعتوا عمرا بفاتح مصر..

بيد أنا نرى في هذا الوصف تجوزا وتجاوزا, ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بمحرر مصر..

فالإسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح, إنما كان يحررها من تسلط إمبراطوريتين سامتا العباد والبلاد سوء العذاب, تانك هما:

إمبراطورية الفرس.ز وإمبراطورية الروم..

ومصر بالذات, يوم أهلت عليها طلائع الإسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى..

ولما دوّت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن:

" الله أكبر..

الله أكبر"..

سارعوا جميعا في زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه, واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان..

فعمرو بن العاص ورجاله, لم يفتحوا مصر إذن.. إنما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها.. وتربط بالعدل مقاديرها.. وتجد نفسها وحقيقتها في ضوء كلمات الله, ومبادئ الإسلام..

ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة, ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها..

من أجل ذلك نجده يتحدث إلى زعماء النصارى يومئذ وكبار أساقفتهم, فيقول:

"... إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به..

وانه عليه الصلاة والسلام, قد أدّى رسالته, ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح المستقيم..

وكان مما أمرنا به الأعذار إلى الناس, فنحن ندعوكم إلى الإسلام..

فمن أجابنا, فهو منا, له ما لنا وعليه ما علينا..

ومن لم يجبنا إلى الإسلام, عرضنا عليه الجزية أي الضرائب وبذلنا له الحماية والمنعة..

ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا, وأوصانا بأهلها خيرا فقال:" ستفتح عليكم بعدي مصر, فاستوصوا بقبطها خيرا, فإن لهم ذمّة ورحما"..

فان أجبتمونا إلى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذمة إلى ذمة"...

وفرغ عمرو من كلماته, فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا:

" إن الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم, لهي قرابة بعيدة, لا يصل مثلها إلا الأنبياء"..!!

وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم المرجو بين عمرو أقباط مصر.. وان يكن قادة الرومان قد حاولوا العمل لإحباطها..



وعمرو بن العاص لم يكن من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل..

ومن عجب أن إسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي، وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبمكارم الأخلاق في جزيرة العرب..

وسأل عاهل الحبشة عمرا, كيف لم يؤمن به ويتبعه, وهو رسول من الله حقا..؟؟

وسأل عمرو النجاشي قائلا:

" أهو كذلك؟؟"

وأجابه النجاشي:

" نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه, فانه والله لعلى الحق, وليظهرنّ على من خالفه"..؟!

وركب عمرو ثلج البحر من فوره, عائدا إلى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..

وفي الطريق المؤدية إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا إلى الرسول ليبايعه على الإسلام..

ولك يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:

" لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..

وتقدم خالد فبايع..

ثم تقدم عمرو فقال:

" إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..

فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:

" يا عمرو..

بايع، فان الإسلام يجبّ ما كان قبله"..

وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.

وعندما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى, كان عمرو واليا على عمان..

وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام, ثم في تحرير مصر من حكم الرومان.



وياليت عمرو بن العاص كان قد قاوم نفسه في حب الإمارة..

إذن لكان قد تفوّق كثيرا على بعض المواقف التي ورّطه فيها الحب.

على أن حب عمرو الإمارة, كان إلى حد ما, تعبيرا تلقائيا عن طبيعته الجياشة بالمواهب..

بل إن شكله الخارجي, وطريقته في المشي وفي الحديث, كانت تومئ إلى أنه خلق للإمارة..!! حتى لقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا، فابتسم لمشيته وقال:

" ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض إلا أميرا"..!

والحق أن أبا عبدالله لم يبخس نفسه هذا الحق..

وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين.. كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث بأسلوب أمير، أمير معه من الذكاء والدهاء، والمقدرة ما يجعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه..!!

ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل عمر بن الخطاب وهو الصارم في اختيار ولاته، واليا على فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين عمر...

حين علم أمير المؤمنين عمر أن عمرا قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا عنده، ليظلوا دائما في مستوى، أو على الأقل قريبين من مستوى عامة الناس..

نقول: لو علم الخليفة عن عمرو كثرة رخائه، لم يعزله، إنما أرسل إليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه، فيبقي له نصفها ويحمل معه إلى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.

ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للإمارة، يحمله على التفريط في مسؤولياته، لما احتمل ضميره الرشيد إبقاءه في الولاية لحظة.



وكان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء, قوي البديهة عميق الرؤية..

حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى إنسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:

" سبحان الله..!!

إن خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد!!

كما كان بالغ الجرأة مقداما

ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن, فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..!!

ولقد كان أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله إلى الشام قبل مجيئه إلى مصر, قيل لأمير المؤمنين: إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمر:

" لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..!!

ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا إلى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الإسلام.



وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.

وان كنا لا نحسب منها بحال موقفه من أبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم حين اتفقا على أن يخلع كل منهما عليا ومعاوية, ليرجع الأمر شورى بين المسلمين، فأنفذ أبو موسى الاتفاق، وقعد عن إنفاذه عمرو.

وإذا أردنا أن نشهد صورة لدهائه, وحذق بديهته, ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..

إذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بإلقاء صخرة فوقه إثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..

ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق إلى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.

وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.

لقد عاد إلى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة, كأن لم يفزعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!

ودخل على القائد وقال له:

لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين إلى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..

وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!

فليوافقه إذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..

وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بإرجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..

ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،

وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..



وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه إلى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.

أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..!!



وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..

وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:

".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله, فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..

ثم بايعت رسول الله, فما كان في الناس أحد أحب إليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..

ثم بليت بعد ذلك بالسلطان, وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..



ثم رفع بصره إلى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:

" اللهم لا بريء فأعتذر, ولا عزيز فأنتصر،

وإلا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!

وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت إلى الله روحه. وكانت آخر كلماته لا اله إلا الله..



وتحت ثرى مصر، التي عرّفها عمرو طريق الإسلام، ثوى رفاته..

وفوق أرضها الصلبة، لا يزال مجلسه حيث كان يعلم، ويقضي ويحكم.. قائما عبر القرون تحت سقف مسجده العتيق جامع عمرو، أول مسجد في مصر يذكر فيه اسم الله الواحد الأحد، وأعلنت بين أرجائه ومن فوق منبره كلمات الله، ومبادئ الإسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 3:43 am

أبو موسى الأشعري

( الإخلاص.. وليكن ما يكون )


عندما بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى البصرة, ليكون أميرها وواليها, جمع أهلها وقام فيهم خطيبا فقال:

" إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم, أعلمكم كتاب ر بكم, وسنة نبيكم, وأنظف لكم طرقكم"..!!

وغشي الإنس من الدهشة والعجب ما غشيهم, فإنهم ليفهمون كيف يكون تثقيف الناس وتفقيههم في دينهم من واجبات الحاكم والأمير, أما إن يكون من واجباته تنظيف طرقاتهم, فذاك شيء جديد عليهم بل مثير وعجيب..

فمن هذا الوالي الذي قال عنه الحسن رضي الله عنه:

" ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه"..؟



إنه عبدالله بن قيس المكنّى بـأبي موسى الأشعري..

غادر اليمن بلده ووطنه إلى مكة فور سماعه برسول ظهر هناك يهتف بالتوحيد ويدعو إلى الله على بصيرة, ويأمر بمكارم الأخلاق..

وفي مكة, جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..

وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..

وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثر فراغه من فتح خيبر..

ووافق قدومه قدوم جعفر بن أبي طالب مقبلا مع أصحابه من الحبشة فأسهم الرسول لهم جميعا..

وفي هذه المرّة لم يأت أبو موسى الأشعري وحده, بل جاء معه بضعة وخمسون رجلا من أهل اليمن الذين لقنهم الإسلام, وأخوان شقيقان له, هم, أبو رهم, وأبو بردة..

وسمّى الرسول هذا الوفد.. بل سمّى قومهم جميعا بالأشعريين..

ونعتهم الرسول بأنهم أرق الناس أفئدة..

وكثيرا ما كان يضرب المثل الأعلى لأصحابه, فيقول فيهم وعنهم:

" إن الأشعريين اذا أرملوا في غزو, أو قلّ في أيديهم الطعام, جمعوا ما عندهم في ثوب واحد, ثم اقتسموا بالسويّة.

" فهم مني.. وإنا منهم"..!!

ومن ذلك اليوم أخذ أبو موسى مكانه الدائم والعالي بين المسلمين والمؤمنين, الذين قدّر لهم إن يكونوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلامذته, وإن يكونوا حملة الإسلام إلى الدنيا في كل عصورها ودهورها..



أبو موسى مزيج عجيب من صفات عظيمة..

فهو مقاتل جسور, ومناضل صلب اذا اضطر لقتال..

وهو مسالم طيب, وديع إلى أقصى غايات الطيبة والوداعة..!!

وهو فقيه, حصيف, ذكي يجيد تصويب فهمه إلى مغاليق الأمور, ويتألق في الإفتاء والقضاء, حتى قيل:

" قضاة هذه الأمة أربعة:

" عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت"..!!

ثم هو مع هذا, صاحب فطرة بريئة, من خدعه في الله, انخدع له..!!

وهو عظيم الولاء والمسؤولية..

وكبير الثقة بالناس..

لو أردنا إن نختار من واقع حياته شعارا, لكانت هذه العبارة:

" الإخلاص وليكن ما يكون"..

في مواطن الجهاد, كان الأشعري يحمل مسؤولياته في استبسال مجيد مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنه:

" سيّد الفوارس, أبو موسى"..!!

وإنه ليرينا صورة من حياته كمقاتل فيقول:

" خرجنا مع رسول الله في غزاة, نقبت فيها أقدامنا, ونقّبت قدماي, وتساقطت أظفاري, حتى لففنا أقدامنا بالخرق"..!!

وما كانت طيبته وسلامة طويته ليغريا به عدوّا في قتال..

فهو في موطن كهذا يرى الأمور في وضوح كامل, ويحسمها في عزم أكيد..



ولقد حدث والمسلمون يفتحون بلاد فارس إن هبط الأشعري بجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه على الجزية فصالحهم..

بيد إنهم في صلحهم ذاك لم يكونوا صادقين.. إنما أرادوا إن يهيئوا لأنفسهم الإعداد لضربة غادرة..

ولكن فطنة أبي موسى التي لا تغيب في مواطن الحاجة إليها كانت تستشف أمر أولئك وما يبيّتون.. فلما همّوا بضربتهم لم يؤخذ القائد على غرّة, وهنالك بارزهم القتال فلم ينتصف النهار حتى كان قد انتصر انتصارا باهرا..!!



وفي المعارك التي خاضها المسلمون ضدّ إمبراطورية الفرس, كان لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه, بلاؤه العظيم وجهاده الكريم..

وفي موقعة تستر بالذات, حيث انسحب الهرزمان بجيشه إليها وتحصّن بها, وجمع فيها جيوشا هائلة, كان أبو موسى بطل هذه الموقعة..

ولقد أمدّه أمير المؤمنين عمر يومئذ بأعداد هائلة من المسلمين, على رأسهم عمار بن ياسر, والبراء بن مالك, وإنس بن مالك, ومجزأة البكري وسلمة بن رجاء..

واتقى الجيشان..

جيش المسلمين بقيادة أبو موسى.. وجيش الفرس بقيادة الهرزمان في معركة من أشد المعارك ضراوة وبأسا..

وانسحب الفرس إلى داخل مدينة تستر المحصنة..

وحاصرها المسلمون أياما طويلة, حتى أعمل أبو موسى عقله وحيلته..

وأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي, أغراه أبو موسى بأن يحتال حتى يفتح باب المدينة, أمام الطليعة التي اختارها لهذه المهمة.

ولم تكد الأبواب تفتح, وجنود الطليعة يقتحمون الحصن حتى انقض أبو موسى بجيشه انقضاضا مدمدما.

واستولى على المعقل الخطير في ساعات. واستسلم قادة الفرس, حيث بعث بهم أبو موسى إلى المدينة ليرى أمير المؤمنين فيهم رأيه..



على إن هذا المقاتل ذا المراس الشديد, لم يكن يغادر أرض المعركة حتى يتحوّل إلى أوّاب, بكّاء وديع كالعصفور...

يقرأ القرآن بصوت يهز أعماق من سمعه.. حتى لقد قال عنه الرسول:

" لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود"..!

كان عمر رضي الله عنه كلما رآه دعاه ليتلو عليه من كتاب الله.. قائلا له:

" شوّقنا إلى ربنا يا أبا موسى"..

كذلك لم يكن يشترك في قتال إلا إن يكون ضد جيوش مشركة, جيوش تقاوم الدين وتريد أن تطفئ نور الله..

أما حين يكون القتال بين مسلم ومسلم, فإنه يهرب منه ولا يكون له دور أبدا.

ولقد كان موقفه هذا واضحا في نزاع عليّ ومعاوية, وفي الحرب التي استعر بين المسلمين يومئذ أوراها.

ولعل هذه النقطة من الحديث تصلنا بأكثر مواقف حياته شهرة, وهو موقفه من التحكيم بين الإمام علي ومعاوية.

هذا الموقف الذي كثيرا ما يؤخذ آية وشاهدا على إفراط أبي موسى في الطيبة إلى حد يسهل خداعه.

بيد إن الموقف كما سنراه, وبرغم ما عسى إن يكون فيه تسرّع أو خطأ, إنما يكشف عن عظمة هذا الصحابي الجليل, عظمة نفسه, وعظمة إيمانه بالحق, وبالناس, إن رأى أبي موسى في قضية التحكيم يتلخص في إنه وقد رأى المسلمين يقتل بعضهم بعضا, كل فريق يتعصب لإمام وحاكم.. كما رأى الموقف بين المقاتلين قد بلغ في تأزمه واستحالة تصفيته المدى الذي يضع مصير الأمة المسلمة كلها على حافة الهاوية.

نقول: إن رأيه وقد بلغت الحال من السوء هذا المبلغ, كان يتلخص في تغيير الموقف كله والبدء من جديد.

إن الحرب الأهلية القائمة يوم ذاك إنما تدور بين طائفتين من المسلمين تتنازعان حول شخص الحاكم, فليتنازل الإمام علي عن الخلافة مؤقتا, وليتنازل عنها معاوية, على أن يرد الأمر كله من جديد إلى المسلمين يختارون بطريق الشورى الخليفة الذي يريدون.

هكذا ناقش أبو موسى القضية, وهكذا كان حله.

صحيح إن عليّا بويع بالخلافة بيعة صحيحة.

وصحيح إن كل تمرد غير مشروع لا ينبغي إن يمكّن من غرضه في إسقاط الحق المشروع. بيد إن الأمور في النزاع بين الإمام ومعاوية وبين أهل العراق وأهل الشام, في رأي أبي موسى, قد بلغت المدى الذي يفرض نوعا جديدا من التفكير والحلول.. فعصيان معاوية, لم يعد مجرّد عصيان.. وتمرّد أهل الشام لم يعد مجرد تمرد.. والخلاف كله يعود مجرد خلاف في الرأي ولا في الاختيار..

بل إن ذلك كله تطوّر إلى حرب أهلية ضارية ذهب ضحيتها آلاف القتلى من الفريقين.. ولا تزال تهدد الإسلام والمسلمين بأسوأ العواقب.

فإزاحة أسباب النزاع والحرب, وتنحية أطرافه, مثّلا في تفكير أبي موسى نقطة البدء في طريق الخلاص..

ولقد كان من رأي الإمام علي حينما قبل مبدأ التحكيم, أن يمثل جبهته في التحكيم عبدالله بن عباس, أو غيره من الصحابة. لكن فريقا كبيرا من ذوي البأس في جماعته وجيشه فرضا عليه أبا موسى الأشعري فرضا.

وكانت حجتهم في اختيار أبا موسى أنه لم يشترك قط في النزاع بين علي ومعاوية, بل اعتزل كلا الفريقين بعد أن يئس من حملهما على التفاهم والصلح ونبذ القتال. فهو بهذه المثابة أحق الناس بالتحكيم..

ولم يكن في دين أبي موسى, ولا في إخلاصه وصدقه ما يريب الإمام.. لكنه كان يدرك نوايا الجانب الآخر ويعرف مدى اعتمادهم على المناورة والخدعة. وأبو موسى برغم فقهه وعلمه يكره الخداع والمناورة, ويحب إن يتعامل مع الناس بصدقه لا بذكائه. ومن ثم خشي الإمام علي إن ينخدع أبو موسى للآخرين, ويتحول التحكيم إلى مناورة من جانب واحد, تزيد الأمور سوءا...



بدأ التحيكم بين الفريقين..

أبو موسى الأشعري يمثل جبهة الإمام علي..

وعمرو بن العاص, يمثل جانب معاوية.

والحق إن عمرو بن العاص اعتمد على ذكائه الحاد وحيلته الواسعة في أخذ الراية لمعاوية.

ولقد بدأ الاجتماع بين الرجلين, الأشعري, وعمرو باقتراح طرحه أبو موسى وهو إن يتفق الحكمان على ترشيح عبدالله بن عمر بل وعلى إعلانه خليفة للمسلمين, وذلك لما كان ينعم به عبدالله بن عمر من إجماع رائع على حبه وتوقيره وإجلاله.

ورأى عمرو بن العاص في هذا الاتجاه من أبي موسى فرصة هائلة فانتهزها..

إن مغزى اقتراح أبي موسى, إنه لم يعد مرتبطا بالطرف الذي يمثله وهو الإمام علي..

ومعناه أيضا إنه مستعد لإسناد الخلافة إلى آخرين من أصحاب الرسول بدليل إنه اقترح عبدالله بن عم..

وهكذا عثر عمرو بدهائه على مدخل فسيح إلى غايته, فراح يقترح معاوية.. ثم اقترح ابنه عبدالله بن عمرو وكان ذا مكانة عظيمة بين أصحاب رسول الله.

ولك يغب ذكاء أبي موسى أمام دهاء عمرو.. فإنه لم يكد يرى عمرا يتخذ مبدأ الترشيح قاعدة الترشيح للحديث والتحكيم حتى لوى الزمام إلى وجهة أسلم, فجابه عمرا بأن اختيار الخليفة حق للمسلمين جميعا, وقد جعل الله أمرهم شورى بينهم, فيجب إن يترك الأمر لهم وحدهم وجميعهم لهم الحق في هذا الاختيار..

وسوف نرى كيف استغل عمرو هذا المبدأ الجلي لصالح معاوية..

ولكن قبل ذلك لنقرأ نص الحوار التاريخي الذي دار بين أبي موسى وعمرو بن العاص في بدء اجتماعهما:

أبو موسى: يا عمرو, هل لك في صلاح الأمة ورضا الله..؟

عمرو: وما هو..؟

أبو موسى: نولي عبدالله بن عمر, فإنه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحرب.

عمرو: وأين أنت من معاوية..؟

أبو موسى: ما معاوية بموضع لها ولا يستحقها.

عمرو: ألست تعلم إن عثمان قتل مظلوما..؟

أبو موسى: بلى..

عمرو: فإن معاوية وليّ دم عثمان, وبيته في قريش ما قد علمت. فإن قال الناس لم أولي الأمر ولست سابقة؟ فإن لك في ذلك عذرا. تقول: إني وجدته ولي عثمان, والله تعالى يقول: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).. وهو مع هذا, اخو أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وهو أحد أصحابه..

أبو موسى: اتق الله يا عمرو..

أمّا ما ذكرت من شرف معاوية, فلو كانت الخلافة تستحق بالشرف لكان أحق الناس بها أبرهة بن الصبّاح فإنه من أبناء ملوك اليمن التباعية الذين ملكوا شرق الأرض ومغربها.. ثم أي شرف لمعاوية مع علي بن أبي طالب..؟؟

وأما قولك: إن معاوية ولي عثمان, فأولى منه عمرو بن عثمان..

ولكن إن طاوعتني أحيينا سنة عمر بن الخطاب وذكره, بتوليتنا ابنه عبدالله الحبر..

عمرو: فما يمنعك من ابني عبدالله مع فضله وصلاحه وقديم هجرته وصحبته..؟

أبو موسى: إن ابنك رجل صدق, ولكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا, فهلم نجعلها للطيّب بن الطيّب.. عبدالله بن عمر..

عمرو: يا أبا موسى, إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا رجل له ضرسان يأكل بأحدهما, ويطعم بالآخر..!!

أبو موسى: ويحك يا عمرو.. إن المسلمين قد أسندوا إلينا الأمر بعد إن تقارعوا السيوف, وتشاكوا بالرماح, فلا نردهم في فتنة.

عمرو: فماذا ترى..؟أبو موسى: أرى إن نخلع الرجلين, عليّا ومعاوية, ثم نجعلها شورى بين المسلمين, يختارون لأنفسهم من يحبوا..

عمرو: رضيت بهذا الرأي فإن صلاح النفوس فيه..

إن هذا الحوار يغير تماما وجه الصورة التي تعوّدنا إن نرى بها أبا موسى الأشعري كلما ذكرنا واقعة التحكيم هذه..

إن أبا موسى كان أبعد ما يكون عن الغفلة..

بل إنه في حواره هذا كان ذكاؤه أكثر حركة من ذكاء عمرو بن العاص المشهور بالذكاء والدهاء..

فعندما أراد عمرو إن يجرّع أبا موسى خلافة معاوية بحجة حسبه في قريش, وولايته لدم عثمان, جاء رد أبي موسى حاسما لامعا كحد السيف..

اذا كانت الخلافة بالشرف, فأبرهة بن الصباح سليل الملوك أولى بها من معاوية..

وإذا كانت بدم عثمان والدفاع عن حقه, فابن عثمان رضي الله عنه, أولى بهذه الولاية من معاوية..



لقد سارت قضية التحكيم بعد هذا الحوار في طريق يتحمّل مسؤوليتها عمرو بن العاص وحده..

فقد أبرأ أبو موسى ذمته بردّ الأمر إلى الأمة, تقول كلمتها وتختار خليفتها..

ووافق عمرو والتزم بهذا الرأي..

ولم يكن يخطر ببال أبي موسى إن عمرو في هذا الموقف الذي يهدد الإسلام والمسلمين بشر بكارثة, سيلجأ إلى المناورة, هما يكن اقتناعه بمعاوية..

ولقد حذره ابن عباس حين رجع إليهم يخبرهم بما تم الاتفاق عليه..

حذره من مناورات عمرو وقال له:

" أخشى والله إن يكون عمرو قد خدعك, فإن كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم, ثم تكلم أنت بعده"..!

لكن أبا موسى كان يرى الموقف أكبر وأجل من إن يناور فيه عمرو, ومن ثم لم يخالجه أي ريب أوشك في التزام عمرو بما اتفقنا عليه..

واجتمعا في اليوم التالي.. أبو موسى ممثلا لجبهة الإمام علي, وعمرو بن العاص ممثلا لجبهة معاوية..

ودعا أبو موسى عمرا ليتحدث.. فأبى عمرو وقال له:



" ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا.. وأقدم هجرة.. وأكبر سنا"..!!

وتقد أبو موسى واستقبل الحشود الرابضة من كلا الفريقين.

وقال:

" أيها الناس.. إنا قد نظن فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة, ويصلح أمرها, فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين علي ومعاوية, وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها..

وإني قد خلعت عليا ومعاوية..

فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم"...

وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية, كما خلع أبو موسى عليا, تنفيذا للاتفاق المبرم بالأمس...

وصعد عمرو المنبر, وقال:

" أيها الناس, إن أبا موسى قد قال كما سمعتم وخلع صاحبه,

ألا وإني قد خلعت صاحبه كما خلعه, وأثبت صاحبي معاوية, فإنه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه, وأحق الناس بمقامه.."!!

ولم يحتمل أبو موسى وقع المفاجأة, فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة..

وعاد من جديد إلى عزلته, وأغذّ خطاه إلى مكة.. إلى جوار البيت الحرام, يقضي هناك ما بقي له من عمر وأيام..

كان أبو موسى رضي الله عنه موضع ثقة الرسول وحبه, وموضع ثقة خلفائه وأصحابه وحبهم...

ففي حياته عليه الصلاة والسلام ولاه مع معاذ بن جبل أمر اليمن..

وبعد وفاة الرسول عاد إلى المدينة ليجمل مسؤولياته في الجهاد الكبير الذي خاضته جيوش الإسلام ضد فارس والروم..

وفي عهد عمر ولاه أمير المؤمنين البصرة..

وولاه الخليفة عثمان الكوفة..



وكان من أهل القرآن, حفظا, وفقها, وعملا..

ومن كلماته المضيئة عن القرآن:

" اتبعوا القرآن..

ولا تطمعوا في إن يتبعكم القرآن"..!!

وكان من أهل العبادة المثابرين..

وفي الأيام القائظة التي يكاد حرّها يزهق الأنفاس, كنت تجد أبا موسى يلقاها لقاء مشتاق ليصومها ويقول:

" لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"..



وذات يوم رطيب جاءه أجله..

وكست محيّاه إشراقة من يرجو رحمة الله وحسن ثوابه.ز

والكلمات التي كان يرددها دائما طوال حياته المؤمنة, راح لسانه الآن وهو في لحظات الرحيل يرددها:

تلك هي:

" اللهم أنت السلام..ومنك السلام"...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
الفارس المصري
Admin
Admin
الفارس المصري

ذكر اسم العضو : admin
عدد المساهمات : 6614
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار W4
محل الاقامة : قلب العالم
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue100 / 100100 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 06/09/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالأحد 12 أكتوبر 2008, 3:45 am

عبدالله بن رواحة

( يا نفس, إلا تقتلي تموتي )



عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشارف مكة, يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى, كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء, حملة الإسلام إلى المدينة, والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله, والإسلام..

وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية, كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...

وبعد هجرة الرسول وأصحابه إلى المدينة واستقرارهم بها, كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه, وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الإسلام إليها, والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة, فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للإسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرة منيرة, أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته, وشلّت حركة دهائه..!!

وكان ابن رواحة رضي الله عنه, كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة إلا يسيرا..

وكان شاعرا, ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..

ومنذ أسلم, وضع مقدرته الشعرية في خدمة الإسلام..

وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..



جلس عليه السلام يوما مع أصحابه, وأقبل عبدالله بن رواحة, فسأله النبي:

" كيف تقول الشعر إذا أردت أن نقول"..؟؟

فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..

ومضى على البديهة ينشد:


يا هاشم الخير إن الله فضّلكـــــــم على البريّــــــــــــــة فضلا ما له غير

إني تفرّست فيك الخير أعرفـــــــه فراســــــــة خالفتهم في الذي نظروا

ولو سألت أو استنصرت بعضهمو في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصــــــروا

فثّبت الله ما آتــــــــــاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا



فسرّ الرسول ورضي وقال له:

" وإياك, فثّبت الله"..

وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء

كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:


يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنــــــــــــا ولا صلينا

فأنزلن سكينــــــــــة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينـــــــــــا


وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..

وحزن الشاعر المكثر, حين تنزل الآية الكريمة:

(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ)..الشعراء (224)

ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:

( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)الشعراء (227)


وحين يضطر الإسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه, يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده:

" يا نفس إلا تقتلي تموتي"..

وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:


خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا, فكل الخير في رسوله


وجاءت غزوة مؤتة..

وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء, كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر..

ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..

وقف ينشد ويقول:


لكنني أســـــأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا

أو طعنـــة بيدي حرّان مجهرة بحربــــــة تنفد الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غاز, وقد رشدا


أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أو طعنة رمح, تنقله إلى عالم الشهداء والظافرين..!!



وتحرّك الجيش إلى مؤتة, وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل, إذ رأوا صفوفا لا آخر لها, وأعداد تفوق الحصر والحساب..!!

ونظر المسلمون إلى عددهم القليل, فوجموا.. وقال بعضهم:

" فلنبعث إلى رسول الله, نخبره بعدد عدوّنا, فإما أن يمدّنا بالرجال, وإمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..

بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار, وقال لهم:

" يا قوم..

إنا والله, ما نقاتل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به..

فانطلقوا.. فإنما هي إحدى الحسنيين, النصر أو الشهادة"...

وهتف المسلمون الأقلون عددا, الأكثرون إيمانا,..

هتفوا قائلين:

"قد والله صدق ابن رواحة"..

ومضى الجيش إلى غايته, يلاقي بعدده القليل مائتي ألف, حشدهم الروم للقتال الضاري الرهيب...



والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..

وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..

وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..

وتلاه ثالث الأمراء عبدالله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته, وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب, الذي حشده هرقل..

وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي, كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..

أما الآن, وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته, فقد بدا أمام ضراوة الروم, وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب, لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..




أقسمت يا نفس لتنزلنّــه مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟

يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنّت فقد أعطيــــت إن تفعلي فعلهما هديــــــت


يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه إلى الشهادة: زيدا وجعفر..

"إن تفعلي فعلهما هديت.

انطلق يعصف بالروم عصفا..

ولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة, لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة إلى الله, فصعد شهيدا..

هوى جسده, فصعدت إلى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..

وتحققت أغلى أمانيه:


حتى يقال إذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غار, وقد رشدا


نعم يا ابن رواحة..

يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!



وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة, يحادثهم ويحادثونه..

وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة, صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!

وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال:

"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.

ثم أخذها جعفر فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..

وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا:

" ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..

ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل, مطمئن, مشتاق. ثم قال:

" لقد رفعوا إلى الجنة"..!!

أيّة رحلة مجيدة كانت..

وأي اتفاق سعيد كان..

لقد خرجوا إلى الغزو معا..

وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة, كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لقد رفعوا إلى الجنة"..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lover4.yoo7.com
غزال المعادى
عضو ذهبي
عضو ذهبي
غزال المعادى

اسم العضو : اية
عدد المساهمات : 306
تاريخ الميلاد : 03/07/1990
العمر : 33
الأوسمة : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار +d8e187f041
محل الاقامة : القاهرة
علم دولتك : رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Female31
عارضة الطاقة :
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Left_bar_bleue50 / 10050 / 100رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 14/10/2008

رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار   رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار I_icon_minitimeالإثنين 27 أكتوبر 2008, 3:31 pm

[i][center]موضوع اكتر من رائع
وشكرا على مجهودك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الكلمات الدليلية
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار,رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار,رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار,
 
رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } متجدد باستمرار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مكتبة خاصة بالموالد وطلبات الاعضاء متجدد باستمرار
» حملة الدفاع عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها
» وفاه الرسول صلى الله عليه وسلم
» وفاة الرسول صلى الله علية وسلم
» وفاة الرسول(صلى الله عليه وسلم)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي الحب والرومانسية :: المنتدى الاسلامى :: الخطب والدروس الدينية-
انتقل الى:  
اقسام منتدي الحب والرومانسية
  القرآن الكريم @ الحب والرومانسية للحديث الشريف@الحب والرومانسية للخطب والدروس الدينية @ الحب والرومانسية للاعجاز العلمي @ الحب والرومانسية للمسابقة القرآن الكريم @ الحب والرومانسية للمنتدى الحـــــــــر @ الحب والرومانسية للترحيب والتعارف@الحب والرومانسية لمشاكل الاعضاء @ الحب والرومانسية للاهدائات والمناسبات @ الحب والرومانسية  للحوار والمناقشة@ الحب والرومانسية للفكاهة والترفيه @ الحب والرومانسية للاخبار العامة @  اخبار منتدي الحب والرومانسية  @ الحب والرومانسية لاخبار الفنانيين و المشاهير @ مسابقات منتدي الحب والرومانسية @  الحب والرومانسية للتنمية البشرية @ الحب والرومانسية لعلم النفس @ هي دي قريتي @ الحب والرومانسية للاثار  @ الحب والرومانسية للخواطر والشعر @ الحب والرومانسية لكلمات الاغاني  @الحب والرومانسية للقصص والروايات @  الحب والرومانسية للامومة والطفولة @  الحب والرومانسية لأدم   @ الحب والرومانسية لجمال حواء @ الحب والرومانسية للعلاقات الزوجيه @  الحب والرومانسية  للديكور @  الحب والرومانسية  للمطبخ العربي @  الحب والرومانسية للمنتدي الطبي @  الحب والرومانسية للطب البديل @ الحب والرومانسية للتعليم الاعدادى @ الحب والرومانسية للتعليم الثانوى @  الحب والرومانسية للتعليم الجامعى @ الحب والرومانسية لنتائج الشهادات @ الحب والرومانسية للصوتيات والفيديو الاسلامي @ الحب والرومانسية للالبومات الكاملة @ الحب والرومانسية للكليبات العربية والأجنبية @ الحب والرومانسية للأغاني والالبومات الشعبية @ أغاني السنجل والريمكسات @ اغاني الزمن الجميل @ كلمات الاغاني @ ستار أكاديمي @  الحب والرومانسية للأفلام العربية @ الأفلام الأجنبية @ المسرحيات والمسلسلات @  قناة الحب والرومانسية للبث الاون لين @ برامج التليفزيون @ اخبار الكرة العربية والعالمية @  الحب والرومانسية  لمحبي النادي الأهلي @  الحب والرومانسية لمحبي النادي الزمالك @  المصارعه الحره @ الحب والرومانسية للصور والجرافيك @ الصور الطبيعية  @  غرائب الصور @ صورالانمي @ الحب والرومانسية لبرامج الكمبيوتر والانترنت @ قسم الموبيل @  الحب والرومانسية للفلاش والسويتش ماكس @  الحب والرومانسية للالعاب الرياضيه @ الحب والرومانسية للالعاب المتنوعة @الحب والرومانسية لالـــــــــــعاب البنات @ ألعـاب الشبكات @  الحب والرومانسية للالعاب الاكشن والمغامره @ ألـعاب ورقيه @ الحب والرومانسية لتطوير المواقع والمنتديات @ الحب والرومانسية للشفرات وتردد القنوات @  الحب والرومانسية للشكاوى والاقترحات  @ مشرفين منتدي الحب والرومانسية 
@ ادارة منتدي الحب والرومانسية





الإتصال بنا - منتديات الحب والرومانسية - الأرشيف - الأعلى - الدردشة