أليس الاقتصاد الإسلامي هو الحل ؟ صوت الآن
أظهرت الأزمة المالية العالمية مدى تخلخل وفساد النظام الإقتصادي العالمي ، وما نتج عن هذه الأزمة من كوارث ضربت أضخم الإقتصادات في العالم فبات من المجدي إعادة النظر في هذا النظام .
دعونا نوضح الأسباب الحقيقية لنشوء هذه الأزمة الرهيبة .
بدأت القضية عندما قدمت بعض البنوك الأمريكية عروضاً لذوي الدخل المحدود والذين لا يملكون بيوتاً يسكنوها أن يتم منحهم قروضاً ليشتروا بيوتاً يتم تسديدها على أقساط مع نسبة فائدة تتزايد باضطراد وفق نسب وفترات محددة مع رهن البيت لحين تمام التسديد .
ولتوضيح الفكرة سنضرب المثال الآتي ، شخص من ذوي الدخل المحدود اتفق مع أحد هذه البنوك على أن يشتري بيتاً يتكفل البنك بدفع ثمنه بشرط أن يدفع للبنك أقساطاً شهرية مع نسبة فائدة معينة وتزداد هذه الفائدة بعد فترة محددة ، علماً أن هذه الفائدة يمكن أن تزيد حسب ما يقوم البنك المركزي بزيادة الفائدة كإجراء اعتيادي لمعالجة التضخم ، والسنوات الثلاث الأولى من دفع الأقساط تذهب لتسديد الفوائد فقط ، أضف إلى ذلك شرطاً هو إن تأخر عن السداد لمرة واحدة زادت الفائدة ثلاثة أضعاف فوراً ، لم يكترث الرجل لهذه التفاصيل فالمهم عنده أن المبلغ الذي كان يدفعه سابقاً ثمن أجار بيت هو نفسه الذي سيدفعه الآن قسطاً للبنك مع فارق أنه الآن يملك بيتاً – حسب ظنه -، سارت الأمور معه على ما يرام في البداية ، على صعيد آخر قام البنك بتحويل القرض إلى سندات وقام ببيعها إلى مستثمرين على اعتبار أنها سندات مدعومة بعقار ، وحصل البنك على عمولات من المستثمرين ، المستثمرين بدورهم يستفيدون من عوائد هذه السندات مما يدفعه المقترض ، ولزيادة أرباحهم قاموا برهن هذه السندات في بنوك أخرى وحصلوا على قروض لشراء المزيد من هذه السندات ، أي أنهم استخدموا ديوناً للحصول على ديون ، وجميع الأطراف الآن يظن نفسه مستفيداً من هذه العملية ، واستمرت هذه المتاهة حتى أن الديون التي باتت مرتبة صارت عشرات الأضعاف عن ثمن العقار الحقيقي ، و الرياح لم تجر كما تشتهي السفن حيث قام البنك المركزي بزيادة الفائدة بنسبة ، ثم بعد فترة زادت الفائدة كما هو منصوص في العقد ، فحدث تأخير في سداد الأقساط فارتفع سعر الفائدة فوراً ثلاثة أضعاف ، وهذا كان حال مئات الآلاف من أصاحب الدخل المحدود ووجدوا أن القسط الذي يتوجب عليهم دفعه يساوي أو يزيد عن دخلهم الشهري فهم إما يجب عليهم أن يدفعوا القسط ويجلسوا دون طعام أو أن لا يدفعوا القسط وهذا ما حصل مع الكثيرين من المقترضين فانهارت أسعار العقارات فجأة ، وهنا وقعت البنوك في كارثة ، وكإجراء علاجي خفضت البنوك عمليات الإقراض وهذا كان له أثر كارثي على الشركات التي تعتمد على الإقتراض في أنظمتها المالية ، جانب آخر من الأزمة تجلى بوجود شركات تأمين على السندات ، كون السندات مختلفة من حيث التقييم الذي يعتمد على قدرة المديون على السداد ، حيث قام حاملوا السندات الضعيفة بالتأمين عليها ودفع أقساط تأمينية عليها على أن تتعهد الشركة بسداد قيمة السند في حال أي طارئ ، والذي جرى أنه عندما توقف دفع الأقساط وأفلست بعض البنوك فقدت السندات قيمتها ، وبما أن حاملي هذه السندات مؤمنين على سنداتهم في شركات التأمين فحصلوا على قيمتها من شركات التأمين فأدى ذلك إلى إفلاس شركات التأمين أيضاً .
هذه لمحة سريعة عن الأزمة التي حصلت ، والآن لنحلل أسباب هذه الأزمة وفق الشرع الإسلامي :
بداية نجد أن نظام الرهن الذي قامت به تلك البنوك باطل جملة وتفصيلاً وفق الشرع الإسلامي ، فرهن القرض في الشرع الإسلامي له قيود وشروط لا يجوز الإخلال بها ومن هذه الشروط :
1- أن يكون الراهن يملك المرهون ليرهنه عند المرتهن مقابل قرض يأخذه منه .
2- يتم عقد الرهن بإيجاب وقبول وتقابض كل من الراهن والمرتهن ، فالراهن يقبض القرض والمرتهن يأخذ الرهن .
3- لا يجوز لأي طرف التصرف بالمرهون من بيع أو إيجار أو هبة أو رهن آخر .
4- أن يكون المرهون قائماً معلوماً مقدور التسليم في وقت العقد .
5- لا يجوز لطرفي الرهن الانتفاع بالمرهون إلا بإذن الطرف الآخر مع دفع عوض عن الانتفاع حتى لا يجر القرض نفعاً ويكون ربا .
الآن لو قارنا هذه الشروط مع ما جرى في الأزمة سنجد ما يلي :
1- هناك إشكالية في ملكية البيت المرهون ، فالمقترض من البنك لم يكن يملك البيت حتى يرهنه مقابل القرض فعلى أي أساس تم الرهن ؟؟
2- لقد قام البنك بالتصرف بالبيت عن طريق بيع السندات إلى مستثمرين وهذا لا يجوز في عقد الرهن .
3- لقد قام المستثمرون برهن السندات أيضاً وهذا باطل من عدة نواحي : باطل من ناحية أنهم اشتروا السندات من البنك المرتبط بعقد رهن مع المقترض ، وكذلك هم رهنوا سندات وهي غير مقدورة التسليم وغير مملوكة فالمرتهن لا يملك المرهون إلا بعد عدم الترام المقترض بدفع الدين ، أضف إلى ذلك وجود الغرر بالرهن ، أضف إلى ذلك القيم الوهمية الناجمة عن سلسلة الرهن هذه بالمقارنة مع قيمة العقار الحقيقي .
كل هذه الأمور التي حصلت في أزمة الرهن تلك لا تجوز في الشرع الإسلامي وكل هذه التصرفات باطلة ، وما كانت هذه الأزمة لتحدث في ظل النظام الإسلامي .
أما الناحية الأكثر أهمية فهي الربا ، أي الفوائد التي تأتي من القروض ، فالربا محرم بشكل قطعي وصارم في الإسلام ، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا . وقد رأينا من خلال هذه الأزمة أن الربا كان أحد أهم الأسباب التي أدت لوجود الأزمة .
يمكننا هنا أن نعطي لمحة سريعة عن النظام المصرفي الإسلامي – هذه اللمحة مأخوذة من عدة مصادر ومقالات مذكورة في الهامش تحت بند المراجع وهناك اقتباسات بتصرف - :
يقوم النظام المصرفي الإسلامي على فقه المعاملات كالمرابحة والاستصناع والكفالة والوكالة والمضاربة وغيرها و كل هذه الأمور وجدت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، أيضا فيما بعد عَرف المسلمون فيما يسمى بالسفتجة، و هي عبارة عن وثيقة أو صك أو ما يدل على أن هذا الإنسان أودع مالا عند شخص ويريد أن يستلمه في بلد آخَر فكان عبد الله ابن الزبير يأخذ الدراهم والدنانير من الناس في مكة ويكتب لهم بها رقعة ثم يستلمونها من وكيله في بغداد، يعني بمفهوم الشيك في هذا الزمان .
ولنعرف بعض المصطلحات :
المضاربة : عقد المضاربة يقوم على أساس أن يدفع شخص المال ويقوم الأخر بالعمل والربح بينهما حسب الاتفاق و تقع نسبة المخاطرة في الخسارة على الطرفين.
المرابحة: يقوم البنك بشراء سلعة معينة ( سيارة مثلاً ) نيابة عن العميل ويقوم البنك ببيعها له على سبيل المرابحة على أن تتم زيادة السعر بمقدار محدد مقابل تقسيطها على أقساط مثلاً البنك اشترى السيارة بمليون ليرة يقوم ببيعها للعميل بمليون ومئتي ألف على أقساط محددة .
الاستصناع : هو عقد بيع لسلعة غير موجودة الآن ستصنع في المستقبل، يعني على سبيل المثال شخص يريد أن يبني بيتا فيأتي إلى البنك الإسلامي ويقول له أنا عندي قطعة أرض أريد أن تبني لي بيتا على سبيل عقد الاستصناع، فطبعا البنك عنده خبراء في المقاولات وفي البناء وغير ذلك ويعرف كم سيكلف هذا البيت، يكلف هذا البيت مثلا مليون ليرة ، يقول له أنا سأبني لك هذا البيت بمليون ومائتين ألف وبقسطهم عليك على مدى خمس سنوات مثلا، فيتفق البنك مع مقاول على أن يبني هذا البيت بمليون ليرة ، يستفيد البنك فرق السعرين، والاستصناع من العقود الجائزة في الإسلام .
الحوالة : وهي عملية تحويل أموال من منطقة إلى منطقة أخرى ويتم تأديتها كخدمة يتقاضى عليها أجراً .
الودائع في المصارف الإسلامية على نوعين رئيسيين :
1- ودائع حسابات جارية لا تستحق من حيث المبدأ أي عائد كما لا تتحمل أي خسارة، وانما يجوز للبنك ـ دون شرط مسبق ـ أن يمنح أصحابها أي جوائز أو امتيازات أو تسهيلات.
2- الودائع لأجل ، وهي على نوعين :
أ- ودائع عامة : وكالة يقوم فيها المودعون بتفويض البنك باستثمار الودائع في أي مشروع، حيث تقوم البنوك الإسلامية بالاستثمار مع العديد من مستخدمي الأموال ويضم هذه الودائع العامة وعاء تصب فيه أرباح هذه الاستثمارات التي يجري بالتالي توزيعها على المودعين بنظام النمر (أي المبلغ مضروباً في المدة) بعد استقطاع حصة البنك مقابل الوكالة أو الإشراف.
ب- ودائع خاصة : وكالة فيها يشترط المودعون باستثمار ودائعهم في مشاريع محددة يقومون بدراستها والموافقة عليها والمخاطرة بها ويأخذون الأرباح بعد استقطاع حصة البنك مقابل الوكالة والإشراف .
قد يؤخذ على المصارف الإسلامية أنها تتعرض للمخاطر ولكن لا بد من تفصيل هذه الناحية مقارنة مع البنوك العادية :
صحيح أن الكسب الناتج عن معاملة ربوية مضمون فيها رأس المال لكن الربح كسب محرم في الإسلام لانعدام عنصر المخاطرة من جانب صاحب المال.. و في المقابل، فإن عملية الرهان والمقامرة ـ سواء أدت إلى ربح أو إلى خسارة كما في الغالب ـ عملية محرمة لما فيها من مخاطرة كلية وبين حدي الضمان 100% والمخاطرة 100% تقع منطقة الكسب الحلال في الإسلام التي تحمل قدراً من المخاطرة، وكلما ابتعد عن حدي المنع (الضمان 100% والمخاطرة 100%) كلما كان بمنأى عن الوقوع تحت طائلة النهي ،ويبقى بعد ذلك أن يختار المستثمر درجة المخاطرة التي يريد أن يتعرض لها وبطبيعة الحال فكلما زادت المخاطرة زاد الربح وكلما قلت المخاطرة قل الربح.
ومن هنا كانت المعادلة المعروفة بين الضمان والسيولة والربحية قائمة كذلك بالنسبة للبنك الإسلامي وإن اختلفت صورها التطبيقية ، والصيغة التي تحتاج إليها البنوك الإسلامية ـ وإن اختلفت عن مثيلتها في البنوك الأخرى ـ إلا أنها ينبغي أن تؤدي في النهاية إلى احترام معادلة الضمان والسيولة والربحية وهي أساس نجاح العمل المصرفي.
ولا بد من ملاحظة أن صيغة البنوك العادية في التزام الضمان الظاهري 100% لم يعصمها من الوقوع في مآزق ليس أقلها خطراً ما يصيب بعض البنوك من إفلاس من حين لآخر، والدرس الحقيقي الذي ينبغي تعلمه من كارثة ديون العالم الثالث هو أن الاعتماد على علاقة الدائن بالمدين لم يكن هو التعبير الصحيح عن الضمان 100% بل يوشك أن يؤدي إلى الضياع الكامل لرأس المال والفائدة معاً .
بالنسبة للاعتمادات المستندية :
تعد من الخدمات التي تقدمها المصارف وهي أساس الحركة التجارية ( استيراد – تصدير ) حيث يقوم البنك بتسديد ثمن البضائع نيابة عن العميل وهناك أسلوبين لدى المصارف الإسلامية :
أ- مستندات ممولة كاملة من قبل العميل الذي يكون له حساب مصرفي كافي لتغطية القيمة ، ويتقاضى البنك أجرة الوكالة .
ب- التي لا تكون ممولة من قبل العميل يقوم البنك بدفع القيمة ويشتري البضاعة ثم يبيعها للعميل على سبيل المرابحة .
( من أراد معرفة تفاصيل أكثر عن الاقتصاد الإسلامي ليراجع المقالات المختصة بذلك )
خلاصة القول نجد أن النظام المالي الإسلامي خال من الاستغلال والخداع والتلاعب ويضمن حقوق جميع الأطراف بعدل تام .
لقد رأينا كيف أن النظام الرأسمالي هو نظام استغلالي يستغل حاجة الفقير ليقوم أصحاب الأموال بتحقيق الأرباح الطائلة عن طريق هذا الاستغلال ، والفوائد الربوية هي إحدى طرق الاستغلال الرهيبة التي يقومون بها ، وها هو ذلك النظام قد انهار وانقلب السحر على الساحر .
إن رؤيتي تتلخص بما يلي ، إن النظام المالي الإسلامي هو نظام عادل وسطي ناجع لو طبق بشكله الصحيح لوجدنا المجتمعات الإنسانية تنعم بخير وارف غنيها وفقيرها سعداء ، بل سينتفي الفقر لو طبق ذلك النظام .
لم تحل الإقتصادات الإشتراكية أزمة الفقراء أيضاً ، بل نجم عنها تأخر صناعي ونمائي وكساد وتضخم وفساد إداري وفقدان التنافسية ولم تنجح في رفع سوية الفقراء والكادحين ، كذلك الإقتصادات الرأسمالية لم ينجم عنها سوى مزيد من الاستغلال ، مزيد من التمايز الطبقي الكبير ، مزيد من تعاسة الفقراء ومزيد من فحش غنى الأغنياء ، وها هما أكبر مثالان للنظامين قد انهارا ، الاتحاد السوفييتي ، والرأسمالية الأمريكية .
لقد مزج الإسلام بين الرأسمالية والاشتراكية وأخرج لنا نظاماً وسطياً عادلا لجميع الأطراف ، فالاقتصاد الإسلامي لا يلغي ملكية الفرد لوسائل الإنتاج ورؤوس الأموال ولا يلغي التنافسية الشريفة بين التجار والصناعيين ، لكنه في الوقت نفسه يحرم الاحتكار والغش والاستغلال والتلاعب ويضع قوانيناً صارمة للتعاملات المالية ، ويحرم الربا كأحد أبشع أنواع الاستغلال أضف إلى ذلك أنه يفرض زكاة على جميع الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال ليتم ردها على الفقراء ، ومقدار الزكاة هو مقدار عادل للغني والفقير لو طبق بحذافيره وأخذت أموال الزكاة من الأغنياء وأعطيت للفقراء لما بقي فقير واحد في المجتمع يشكو القلة .
لقد خرجت أصوات في الغرب تنادي بتطبيق نظام المشاركة بدلاً من الفوائد في المصارف - وهي أساس المصارف الإسلامية - كما خرجت أصوات مؤخراً تنادي بتطبيق الاقتصاد الإسلامي كحل للأزمة المالية العالمية ، وقد نشرت مقالة في صحيفة الإندبندنت البريطانية تنادي بهذا الحل .
المراجع :
1- مقالات تحليلية متعددة للأزمة المالية العالمية نذكر منها :
- أسباب الأزمة المالية العالمية للدكتور أنس بن فيصل
- الأزمة المالية العالمية أسبابها وتداعياتها بقلم د . علي عبد الله شاهين
- تقارير صحفية من موقع هيئة الإذاعة البريطانية bbc
2- مقالة نحو فهم نظام البنوك الإسلامية الكاتب جمال الدين عطية
3- مقابلة في قناة الجزيرة تحت عنوان المصارف الإسلامية – موقع الجزيرة نت -
4- كتاب الموسوعة الفقهية ، كتب فقهية متعددة ( اللباب ، المبسوط ، الأم ، المغني .. وغيرها )
موضوع: أليس الاقتصاد الإسلامي هو الحل ؟ صوت الآن 
الجمعة 24 أبريل 2009, 12:26 am
