إِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَامِ نَسْتَقْبِلُ شَهْرِ شَعْبَانَ، وَهُوَ مِنْ أَيَامِ اللهِ التِي نَحْنُ مُتَعَبِدُونَ لِلهِ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَتْ لَهُ مَزِيَّتَانِ: الأُولَى: فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ فِيْهِ، فَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اَللهَ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلمُؤْمِنِيْنَ، وَيُمْلِي لِلكَافِرِيْنَ وَيَدَعُ أَهْلَ الحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ“(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُ).
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
والثَّانِيَةُ: كَثْرَةُ الصِّيَامِ؛ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخُصُّهُ بِهَا، حَيْثُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا القَلِيْلَ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ“(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ).
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ“(رَوَاهُ النَّسَائِيَّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
فَالصِّيَامُ فِي هَذِا الشَّهْرِ كَالرَّاتِبَةِ القَبْلِيَّةِ لِرَمَضَانَ، كَمَا أَنَّ صِيَامَ سِتٍّ مِنْ شَوَّال كَالرَّاتِبَةِ البَعْدِيَّةِ. وَاَلذِيْ يَنْبَغِيْ لِلعَاقِلِ أَنْ يَغْتَنِمَ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهِ فِيْ طَاعَةِ الرَّبِ -عَزَّ وجَلَّ-، وَالصَّوْمُ فِيْ هَذِهِ الأَيَّامِ فِيْهِ نَوْعُ مَشَقَةٍ لِطُوْلِ اليَوْمِ وَحَرَارَةِ اَلجَوِّ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الإِيْمَانِ يَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ اِبْتِغَاءَ الأَجْرِ، وَطَمَعَاً فِيْ النَجَاةِ مِنْ ظَمَأِ يَوْمِ القِيَامَةِ.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ قَالَ: “مَرْحَباً بِالمَوْتِ زَائِراً مُغَيِّباً، وَحَبِيْباً جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ، اَللَّهُمَ إِنِّيْ كُنْتُ أَخَافُكَ وَأَنَا اليَوْمَ أَرْجُوكَ، اللَّهُمَ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحِبُ الدُنْيَا وَطُوْلَ البَقَاءِ فِيْهَا لِجَرْيِ الأَنْهَارِ وَلَا لِغَرْسِ الأَشْجَارِ، وَلَكِنْ لِطُولِ ظَمَأ الهَوَاجِرِ، وَقِيَامِ لَيْلِ الشِتَاءِ، وَمُكَابَدَةِ السَاعَاتِ، وَمُزَاحَمَةِ العُلَمَاءِ بِالرُّكَبِ عِنْدَ حِلَقِ الذِّكْرِ“
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
اعْلَمُوا أَنَّ النُفُوسَ مُغْرَمَةٌ بِحِفْظِ الغَرَائِبِ مِنْ العَلْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيطَانَ يُزَيِّنُهَا لِيُغْوُيَ بِهَا النَّاسَ، فَكَمْ مِنَ العِلْمِ الصَّحِيحِ يُهْمِلُهُ النَّاسُ وَلَا يَعْلَمُونَ بِهِ، وَكَمْ مِنَ الأَخْبَارِ الكَاذِبَةِ وَالأَحْكَامِ الفَاسِدَةِ التِي تَعَلَّقَ بِهَا النَّاسُ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلامَةَ والعَافِيَةِ.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
اللَّهُمَ إِنَّا نَسْأَلُكَ بَرَكَةً تُطَهِرَ بِهَا قُلُوبُنَا، وَتَكْشِفَ بِهَا كُرُوبُنَا، وَتَغْفِرَ بِهَا ذُنُوبُنَا، وَتُصْلِحَ بِهَا أَمْرَنَا، وَتُغْنِيَ بِهَا فَقْرُنَا، وَتُذْهِبَ بِهَا حُزْنُنَا، وَتَكْشِفَ بِهَا هُمُومُنَا وَغُمُومُنَا، وَتَشْفِيَ بِهَا أَسْقَامَنَا، وَتَقْضِيَ بِهَا دُيُونُنَا، وَتَجْمَعَ بِهَا شَمْلَنَا، وَتُبَيِضَ بِهَا وُجُوهَنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.